“غدي نيوز” – أنور عقل ضو (Original Article)
لم يكن الفنان والنحات عادل صالحة يتوقع أن يتحول منزله في بلدته رأس المتن متحفا ومعلما ثقافيا، وهو الذي عمل على مشروع خاص من خلال تطوير فن العمارة اللبنانية، عندما أدخل عليها تحسينات وإضافات كثيرة حملت توقيعه في عدد كبير من القصور في مختلف المناطق اللبنانية، لكن إصراره على التحليق في مدارات خاصة شرَّعَ أمامه آفاق أوسع فطغى الفنان على الحرفي في علاقته مع الحجر، ولعل مشاركته في سيمبوزيومات النحت الدولية في مدينة عاليه ولسنوات ثلاث متتالية شكلت منعطفا مهما في مسيرته الفنية.
وعن هذه التجربة يقول “كنت الوحيد بين أساتذة الجامعات وكبار الفنانين من لبنان والعالم لم أدخل المدرسة وأتعلم النحت في أكاديميات عليمة”، ويضيف: “أذكر أن جريدة محلية كتبت مقالة عن مشاركتي في سيمبوزبوم 1999 بعنوان (فنان من خارج السرب)”.
متحف في الهواء الطلق
بدأ صالحة مشواره الفني في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، عندما عرض نماذج عن فن العمارة اللبنانية، ذلك أنه كان يعرض نماذج صممها في مجال عمله ليحتفظ بها لديه، حتى بدأت معروضاته تستقطب الزوار فغدا سطح منزله أشبه بمتحف في الهواء الطلق، ليشارك في ما بعد بمعارض فنية، ومن ثم أخذ يبتعد عن نحت القناطر والأعمدة والمنمنمات ليجسد مشاهد من طبيعة بلدته، إلى أن استطاع أن ينحت ما يمكن اعتباره أعمالا تعجيزية، ومنها سلسلة حجرية متصلة ومفرغة ومتحركة صاغها إزميله من حجر واحد دون أي عملية لصق، في تطويع رائع ودقيق للصخر، ليبتعد بعدها إلى عوالم خاصة عندما راح يكسر الاشكال لصوغ لوحة أو منحوتة متفلتة من الابعاد وغير محكومة بقوالب كلاسيكية.
في هذه المرحلة بدأ صالحة تحويل قاعات منزله إلى متحف، وجسَّد من خلاله مراحل تجربته وتطورها في سياق متناسق متخذا من الجدران والسقوف منصة ثابتة للعرض، حتى يظن المرء أنه إزاء مشهدية نحتية، فضلا عن استخدام الالوان الخافتة لتظهير اللوحات المنحوتة بارتفاعات مختلفة وإنارة خفيفة مخفية خلف منمنمات صخرية.
العلاقة مع الحجر
يقول صالحة أنه استوحى “كل هذه اللوحات من خلال علاقتي الطويلة مع الحجر والتي بدأت قبل خمسين عاما”، ويرى أنها “تمثل تراكما فنيا وخبرة صقلتها الايام”.
ويضيف: “لم أكن أتوقع بادئ الامر أن يتحول المنزل محط أنظار الجميع، وأن يصبح على قائمة المواقع الثقافية في المتن الاعلى، وما شجعني أكثر حضور شخصيات ووفود أوروبية وعربية فضلا عن مواطنين مهتمين بالفنون وطلاب المدارس، ولذلك قررت خوض التجربة حتى النهاية والاستغناء عن المنزل ليكون متحفا وليس مكانا للسكن”.
لكن صالحة الذي حاز على شهادات تقدير محلية ودولية، يسجل عتبا على “الجهات المعنية في الدولة غير المهتمة بالنواحي الثقافية”، ويقول: “هذا المشروع بهذا المعنى ليس شخصيا بقدر ما هو مشروع للبنان الحضارة والثقافة والعلم، وربما لهذا السبب أستغرب كيف أن الجهات المسؤولة على مستوى المتن الاعلى تضم المتحف الى قائمة المواقع السياحية دون أن تقدم دعما يمكنني من استكمال ما بدأته”.
العمل على جبهتين
ويضيف: “كل ما هو موجود هو نتاج عمل فردي، وأعمل على جبهتين، في مجال البناء لكي أتمكن من تأمين موجبات حياة كريمة، وفي مجال تحقيق بعض احلامي، ولكم أن تعلموا حجم المعاناة التي أكابدها وما أزال”.
ويشير صالحة إلى أن لديه “الكثير من العمل لان المتحف من الداخل قد أنجز تماما لكن يبقى أمامي ما هو مهم أيضا لجهة بناء واستكمال المتحف من الخارج من المداخل والمساحات الموجودة وتوظيفها في سياق المشروع عينه، وهذا ما لا قدرة لي عليه دون مد يد المساعدة، لكن سأتابع ولن أتوقف طالما ارتضيت إنشاء هذا المتحف نوعا من التحدي، على أمل أن يتم تصنيفه رسميا من قبل وزارتي الثقافة والسياحة كمعلم ثقافي وسياحي”.
ويشير إلى أن “زوجتي كانت الداعم الوحيد لي، وهي تحملت وما تزال الكثير من الاعباء، فضلا عن انها شاركتني في آرائها”.